فصل: فَصْلٌ: (في صيغة الخلع)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ‏]‏

المتن‏:‏

ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا وَعَظَهَا بِلَا هَجْرٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعَظَ وَهَجَرَ فِي الْمَضْجَعِ، وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏ قُلْت‏:‏ الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ أَوْ مِنْهُمَا، وَقَدْ بَدَأَ بِمَا إذَا كَانَ التَّعَدِّي مِنْهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ فَلَوْ ‏(‏ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا‏)‏ فِعْلًا كَأَنْ يَجِدَ مِنْهَا إعْرَاضًا وَعُبُوسًا بَعْدَ لُطْفٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ أَوْ قَوْلًا كَأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِلِينٍ ‏(‏وَعَظَهَا‏)‏ نَدْبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ‏}‏ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا‏:‏ اتَّقِ اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْكِ وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ ‏(‏بِلَا هَجْرٍ‏)‏ وَلَا ضَرْبٍ، وَيُبَيِّنُ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ، فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أَوْ تَتُوبَ عَمَّا وَقَعَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَحَسَنٌ أَنْ يَذْكُرَ لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ‏}‏‏.‏ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ‏}‏ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبَرَّهَا وَيَسْتَمِيلَ قَلْبَهَا بِشَيْءٍ‏.‏ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏الْمَرْأَةُ ضِلَعٌ أَعْوَجُ إنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ فِيهَا‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا فَوَّتَ حَقًّا لَهَا مِنْ قَسْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ مَعَهَا حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ ‏(‏فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏وَلَمْ يَتَكَرَّرْ‏)‏ ذَلِكَ مِنْهَا ‏(‏وَعَظَ‏)‏ هَا ‏(‏وَهَجَرَ‏)‏ هَا ‏(‏فِي الْمَضْجَعِ‏)‏ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ فِي الْهَجْرِ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَهْجُرَ فِرَاشَهَا فَلَا يُضَاجِعُهَا فِيهِ، وَقِيلَ‏:‏ هُوَ تَرْكُ الْوَطْءِ، وَقِيلَ‏:‏ هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا هُجْرًا أَيْ إغْلَاظًا فِي الْقَوْلِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ هُوَ أَنْ يَرْبِطَهَا بِالْهِجَارِ، وَهُوَ حَبْلٌ يُرْبَطُ فِيهِ الْبَعِيرُ الشَّارِدُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ عَنْ الْهِجْرَانِ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَجُوزُ الْهَجْرُ بِهِ لَا لِلزَّوْجَةِ وَلَا لِغَيْرِهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَجُوزُ فِيهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ‏:‏ ‏{‏لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏}‏ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد‏:‏ ‏{‏فَمَنْ هَجَرَهُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ‏}‏ وَحَمَلَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ، قَالَ‏:‏ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ، إذْ النُّشُوزُ حِينَئِذٍ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ ا هـ‏.‏ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ يَجُوزُ هَجْرُ الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَنْ رَجَا بِهَجْرِهِ صَلَاحَ دِينِ الْهَاجِرِ أَوْ الْمَهْجُورِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ هَجْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ، وَأَوَّلُ أَسْمَائِهِمْ حُرُوفُ مَكَّةَ، وَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ، وَكَذَا هِجْرَانُ السَّلَفِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ‏(‏وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالتَّكَرُّرِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ ‏(‏قُلْت‏:‏ الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ‏)‏ أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ كَمَا لَوْ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَتَقْدِيرُهُ ‏{‏وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ‏}‏ فَإِنْ نَشَزْنَ ‏{‏وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ‏}‏، وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا‏}‏ وَالْأَوْلَى بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ‏:‏ وَالْمُرَادُ وَاهْجُرُوهُنَّ إنْ نَشَزْنَ، وَاضْرِبُوهُنَّ إنْ أَصْرَرْنَ عَلَى النُّشُوزِ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ‏)‏ وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَقَيَّدَ الضَّرْبَ فِيهَا بِعَدَمِ التَّكْرَارِ كَانَ أَوْلَى

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا يَجُوزُ الضَّرْبُ إنْ أَفَادَ ضَرْبُهَا فِي ظَنِّهِ وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَأْتِي بِضَرْبٍ مُبَرِّحٍ، وَلَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَهَالِكِ، وَعَبَّرَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَعْبِيرُ الشَّيْخَيْنِ بِيَنْبَغِي وَهُوَ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ مَزِيدُ بَيَانٍ، وَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الضَّرْبِ، وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى الضَّرْبِ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ لَا عَلَى النَّسْخِ، إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ، فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ، وَالنُّشُوزُ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لَا إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَلَا إلَى اكْتِسَابِهَا النَّفَقَةَ إذَا أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ وَلَا إلَى اسْتِفْتَاءٍ إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا فَقِيهًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ لَهَا وَكَمَنْعِهَا الزَّوْجَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَوْ غَيْرَ الْجِمَاعِ لَا مَنْعِهَا لَهُ مِنْهُ تَدَلُّلًا وَلَا الشَّتْمُ لَهُ وَلَا الْإِيذَاءُ لَهُ بِاللِّسَانِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ تَأْثَمُ بِهِ وَتَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ عَلَيْهِ وَيَتَوَلَّى تَأْدِيبَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَرْفَعُهَا إلَى قَاضٍ لِيُؤَدِّبَهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَعَارًا وَتَنْكِيدًا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا بَعْدُ وَتَوْحِيشًا لِلْقُلُوبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي، وَلَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزٍ وَادَّعَتْ عَدَمَهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الطَّلَبِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَاَلَّذِي يَقْوَى فِي ظَنِّي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ، وَالْوَلِيُّ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ الْمُسْتَحِقُّ مَنْ مَنَعَهُ حَقَّهُ غَيْرَ هَذَا، وَالرَّقِيقُ يَمْتَنِعُ مِنْ حَقِّ سَيِّدِهِ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ عِيَادَةِ أَبَوَيْهَا وَمِنْ شُهُودِ جِنَازَتِهِمَا وَجِنَازَةِ وَلَدِهَا، وَالْأَوْلَى خِلَافُهُ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ، فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا بِلَا سَبَبِ نَهَاهُ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعَدِّي مِنْهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا‏)‏ لَهُ ‏(‏كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ‏)‏ إذَا طَلَبَتْهُ لِعَجْزِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ نُشُوزِهَا فَإِنَّ لَهُ إجْبَارَهَا عَلَى إيفَاءِ حَقِّهِ لِقُدْرَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مُكَلَّفًا أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أُلْزِمَ وَلِيَّهُ تَوْفِيَتَهُ بِشَرْطِهِ ‏(‏فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا‏)‏ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ‏)‏ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُعَزِّرُهُ ‏(‏فَإِنْ عَادَ‏)‏ إلَيْهِ وَطَلَبَتْ تَعْزِيرَهُ مِنْ الْقَاضِي ‏(‏عَزَّرَهُ‏)‏ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْخُلُقُ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا‏:‏ السَّجِيَّةُ وَالطَّبْعُ، وَلَهُمَا أَوْصَافٌ حَسَنَةٌ وَأَوْصَافٌ قَبِيحَةٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ‏:‏ ‏{‏أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا‏}‏، وَقَالَ الْقَائِلُ‏:‏ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كُنْ مُتَخَلِّقًا لِيَفُوحَ مِسْكُ ثَنَائِكَ الْعَطِرُ الشَّذِي وَانْفَعْ صَدِيقَك إنْ أَرَدْت صَدَاقَةً وَادْفَعْ عَدُوَّك بِاَلَّتِي فَإِذَا الَّذِي أَيْ بَقِيَّةُ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ إذَا طَلَبَتْهُ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَلَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ وَأَسْكَنَهُ بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ التَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَهَلْ يُحَالُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ‏.‏ قَالَ الْغَزَالِيُّ‏:‏ يُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَ إلَى الْعَدْلِ، وَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهَا وَشَهَادَةُ الْقَرَائِنِ ا هـ‏.‏ وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَقَالَ‏:‏ إنْ ظَنَّ الْحَاكِمُ تَعَدِّيَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا لِكَوْنِهِ جَسُورًا حَالَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدَلَ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيْلُولَةَ أَرَادَ الْحَالَ الْأَوَّلَ‏.‏ وَمَنْ ذَكَرَهَا كَالْغَزَالِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ أَرَادَ الثَّانِيَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ وَالْإِسْكَانِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏ وَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تَسْتَعْطِفَهُ بِمَا يُحِبُّ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا كَمَا تَرَكَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَهَا يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ قَالَ كُلٌّ‏:‏ إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ بِثِقَةٍ يُخْبِرُهُمَا وَمَنَعَ الظَّالِمَ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا، وَفِي قَوْلٍ مُوَلَّيَانِ مِنْ الْحَاكِمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا فَيُوَكِّلُ حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ، وَتُوَكِّلُ حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعَدِّي مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ ‏(‏وَإِنْ قَالَ كُلٌّ‏)‏ مِنْ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ‏)‏ عَلَيْهِ، وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا ‏(‏تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ‏)‏ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا ‏(‏بِثِقَةٍ‏)‏ وَاحِدٍ ‏(‏يَخْبُرُهُمَا‏)‏ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَوَّلَهُ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَيَكُونُ الثِّقَةُ جَارًا لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَسْكَنَهُمَا فِي جَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ، وَاكْتَفَى هُنَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ لِمَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ شَهَادَةٍ بَلْ يَكْفِي عَدْلُ الرِّوَايَةِ‏.‏ وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ ‏(‏وَ‏)‏ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُمَا ‏(‏مَنَعَ الظَّالِمَ‏)‏ مِنْهُمَا مِنْ عَوْدِهِ لِظُلْمِهِ، وَطَرِيقُهُ فِي الزَّوْجِ مَا سَلَفَ، وَفِي الزَّوْجَةِ بِالزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ كَغَيْرِهَا ‏(‏فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ‏)‏ بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّقِّ، وَهُوَ النَّاحِيَةُ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ دَامَ بَيْنَهُمَا التَّسَابُّ وَالتَّضَارُبُ وَفَحُشَ ذَلِكَ ‏(‏بَعَثَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا‏)‏ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حَكَمِهِ بِهِ وَحَكَمِهَا بِهَا وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يُخْفِي حَكَمٌ عَنْ حَكَمٍ شَيْئًا إذَا اجْتَمَعَا وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا أَوْ يُفَرِّقَا بِطَلْقَةٍ إنْ عَسُرَ الْإِصْلَاحُ عَلَى مَا يَأْتِي لِآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا‏}‏ وَالْخِطَابُ فِيهَا لِلْحُكَّامِ، وَقِيلَ‏:‏ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْبَعْثُ وَاجِبٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمُهِمَّاتِ الِاسْتِحْبَابَ لِنَقْلِ الْبَحْرِ لَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ بَلْ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِهِمَا فَمُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ إجْمَاعًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْحَاكِمِ وَلَا فِي الْوَكِيلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِحَكَمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَتَّهِمُهُ وَلَا يُفْشِي إلَيْهِ سِرَّهُ ‏(‏وَهُمَا وَكِيلَانِ‏)‏ فِي الْأَظْهَرِ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَيْ عَنْهُمَا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ هُمَا حَاكِمَانِ ‏(‏مُوَلَّيَانِ مِنْ الْحَاكِمِ‏)‏ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَالْوَكِيلُ مَأْذُونٌ لَيْسَ بِحَكَمٍ، وَوُجِّهَ الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَالَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفِرَاقِ، وَالْبُضْعُ حَقُّ الزَّوْجِ، وَالْمَالُ حَقُّ الزَّوْجَةِ، وَهُمَا رَشِيدَانِ، فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهِمَا؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِلَايَةِ إلَّا فِي الْمَوْلَى، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ ‏(‏فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا‏)‏ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَكَمَيْنِ‏:‏ التَّكْلِيفُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالِاهْتِدَاءُ إلَى الْمَقْصُودِ بِمَا بَعَثَا لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الذُّكُورَةُ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهِمَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي أَمِينِهِ ‏(‏فَيُوَكِّلُ‏)‏ الزَّوْجُ إنْ شَاءَ ‏(‏حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ، وَتُوَكِّلُ‏)‏ الزَّوْجَةُ إنْ شَاءَتْ ‏(‏حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ‏)‏ لِلْخُلْعِ ‏(‏وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ‏)‏ أَيْ الْعِوَضِ كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ، وَيُفَرِّقُ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا إنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي اثْنَيْنِ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْبَعْثِ لَمْ يَجُزْ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ نُفِّذَ أَمْرُهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ الْوُكَلَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ أَدَّبَ الْقَاضِي الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ وَيَعْمَلُ بِشَهَادَةِ الْحَكَمَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُشْتَرَطُ فِي الْحَكَمَيْنِ الذُّكُورَةُ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ لَا الِاجْتِهَادُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجَيْنِ بِبَعْثِهِمَا وَيَحْكُمَانِ بِمَا يَرَيَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

يُعْتَبَرُ‏.‏ رُشْدُ الزَّوْجَةِ لِيَتَأَتَّى بَذْلُهَا الْعِوَضَ لَا رُشْدُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ خُلْعُ السَّفِيهِ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِوَكِيلِهِ‏:‏ خُذْ مَالِي مِنْهَا ثُمَّ طَلِّقْهَا أَوْ طَلِّقْهَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مَالِي مِنْهَا اُشْتُرِطَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ خُذْ مَالِي مِنْهَا وَطَلِّقْهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ طَلِّقْهَا ثُمَّ خُذْ مَالِي مِنْهَا جَازَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَكَالتَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَأَنْ قَالَتْ‏:‏ خُذْ مَالِي مِنْهُ ثُمَّ اخْتَلِعْنِي‏.‏

كِتَابُ الْخُلْعِ

المتن‏:‏

هُوَ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْخُلْعِ بِضَمِّ الْخَاءِ مِنْ الْخَلْعِ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ النَّزْعُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسُ الْآخَرِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ‏}‏ فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ، وَ ‏(‏هُوَ‏)‏ فِي الشَّرْعِ ‏(‏فُرْقَةٌ‏)‏ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏بِعِوَضٍ‏)‏ مَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ ‏(‏بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ طَلَّقْتُك، أَوْ خَالَعْتُكِ عَلَى كَذَا فَتَقْبَلُ، وَسَيَأْتِي صِحَّتُهُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِلَفْظِ طَلَاقٍ لَفْظٌ مِنْ أَلْفَاظِهِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً وَلَفْظُ الْخُلْعِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَصَرَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ وَخَرَجَ بِمَقْصُودِ الْخُلْعِ بِدَمٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ، وَدَخَلَ بِرَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ وُقُوعُ الْعِوَضِ لِلزَّوْجِ وَلِسَيِّدِهِ، وَمَا لَوْ خَالَعَتْ بِمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ قَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ مَالِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَصِحُّ رَجْعِيًّا‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ‏}‏ النِّسَاءُ وَالْأَمْرُ بِهِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ‏:‏ ‏{‏فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ لَهُ‏:‏ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً‏}‏ وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ بِعِوَضٍ جَازَ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، فَالنِّكَاحُ كَالشِّرَاءِ وَالْخُلْعُ كَالْبَيْعِ، وَأَيْضًا فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ غَالِبًا، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الشَّرْعِ‏:‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ‏}‏‏.‏ قَالَ فِي التَّنْبِيهِ إلَّا فِي حَالَتَيْنِ‏:‏

إحْدَاهُمَا‏:‏ أَنْ يَخَافَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ أَيْ مَا افْتَرَضَهُ فِي النِّكَاحِ‏:‏ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا أَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا‏}‏ الْآيَةَ‏.‏ وَذِكْرُ الْخَوْفِ فِي الْآيَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الْخُلْعِ فِي حَالَةِ التَّشَاجُرِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ حَالَةَ الْخَوْفِ وَهِيَ مُضْطَرَّةٌ إلَى بَذْلِ الْمَالِ فَفِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ‏.‏ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ‏:‏ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَيْ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَيَخْلَعُهَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْأَمْرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَلَا يَحْنَثُ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْفِعْلَةِ الْأُولَى، إذْ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْفِعْلَةَ الْأُولَى وَقَدْ حَصَلَتْ، فَإِنْ خَالَعَهَا وَلَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ‏:‏ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْحِنْثِ، فَإِذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ سَبَقَ هَذَا النِّكَاحَ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُصُولُ الْخَلَاصِ بِالْخُلْعِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَى فِعْلِهِ مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ دَخَلْت عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فَقَالَ لِي‏:‏ اسْتَفْتَيْتُ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَخَالَعَ فِي الشَّهْرِ فَأَفْتَيْتُ بِتَخَلُّصِهِ مِنْ الْحِنْثِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ خَطَأٌ وَوَافَقَنِي الْبَكْرِيُّ عَلَى التَّخَلُّصِ فَبَيَّنْت لَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ ثُمَّ سَأَلْت الْبَاجِيَّ وَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَوَافَقَهُ، قَالَ‏:‏ ثُمَّ رَأَيْت فِي الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ لَمْ تَخْرُجِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَالَعَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ وَلَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلَمْ يَمْضِ اللَّيْلُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ تُفَّاحَتَانِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ إنْ لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلِأَمَتِهِ إنْ لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَبَهَتْ تُفَّاحَةُ الطَّلَاقِ وَتُفَّاحَةُ الْعِتْقِ، فَذَكَرَ طَرِيقَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي الْخَلَاصِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ فَلَوْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَبَاعَ الْأَمَةَ ثُمَّ جَدَّدَ النِّكَاحَ وَاشْتَرَى الْأَمَةَ خَلَصَ، وَظَاهِرُ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْبَاجِيُّ ا هـ‏.‏ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ صُوَرًا أُخْرَى، وَلَا يُكْرَهُ الْخُلْعُ فِيهَا فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ‏.‏

المتن‏:‏

شَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَلَوْ خَالَعَ عَبْدٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ صَحَّ، وَوَجَبَ دَفْعُ الْعِوَضِ إلَى مَوْلَاهُ وَوَلِيُّهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَأَرْكَانُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ‏:‏ مُلْتَزِمٌ لِعِوَضٍ، وَبُضْعٌ، وَعِوَضٌ، وَصِيغَةٌ، وَزَوْجٌ، وَبَدَأَ بِهِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏شَرْطُهُ‏)‏ أَيْ رُكْنُهُ ‏(‏زَوْجٌ يَصِحُّ‏)‏ أَيْ يَنْفُذُ ‏(‏طَلَاقُهُ‏)‏ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَالزَّوْجُ رُكْنٌ لَا شَرْطٌ، وَكَوْنُهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ شَرْطٌ فِي الزَّوْجِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ كَطَلَاقِهِمْ ‏(‏فَلَوْ خَالَعَ عَبْدٌ‏)‏ وَلَوْ مُدَبَّرًا ‏(‏أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ صَحَّ‏)‏ بِإِذْنٍ وَدُونَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُطَلِّقَ مَجَّانًا فَبِعِوَضٍ أَوْلَى ‏(‏وَوَجَبَ دَفْعُ الْعِوَضِ‏)‏ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا ‏(‏إلَى مَوْلَاهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ وَيَمْلِكُهُ مَوْلَاهُ قَهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ لِاسْتِقْلَالِهِ، وَالْمُبَعَّضُ إنْ خَالَعَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَقَبَضَ فِي نَوْبَتِهِ صَحَّ، وَأَمَّا فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَلَا يَقْبِضُ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً قَبَضَ مَا يَخُصُّ حُرِّيَّتَهُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي بِلَا تَرْجِيحٍ يَقْبِضُ أَيْضًا مَا خَالَعَ بِهِ ‏(‏وَوَلِيُّهُ‏)‏ أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، فَإِنْ سَلَّمَتْ الْعِوَضَ إلَى السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَهُوَ دَيْنٌ لَمْ تَبْرَأْ وَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ، نَعَمْ إنْ بَادَرَ الْوَلِيُّ فَأَخَذَهُ مِنْهُ بَرِئَتْ‏:‏ كَمَا فِي الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ رُشْدِهِ، وَهَلْ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى‏؟‏ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَوْجَهُهُمَا لَا، أَوْ وَهُوَ عَيْنٌ وَعَلِمَ الْوَلِيُّ أَخَذَهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَلِفَتْ فَهَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ فَتَلِفَتْ فَهِيَ مُفَرِّطَةٌ فَتَضْمَنُ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالتَّسْلِيمُ إلَى الْعَبْدِ كَالسَّفِيهِ، لَكِنَّ الْمُخْتَلِعَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِمَا تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ بِخِلَافِ السَّفِيهِ لَا يُطَالَبُ أَصْلًا كَمَا مَرَّ، أَمَّا قَبْضُهَا بِإِذْنٍ فَيَصِحُّ وَلَوْ عَلَّقَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَأَنْ قَالَ‏:‏ إنْ دَفَعْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ لَا إلَى وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا مَرَّ مَلَكَهُ قَبْلَ الدَّفْعِ، وَفِي هَذِهِ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَعَلَى وَلِيِّهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ حَتَّى تَلِفَ فَلَا غُرْمَ فِيهِ عَلَى الزَّوْجَةِ، كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ دَفَعَتْهُ إلَى وَلِيِّهِ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ خُلْعَ الْمُفْلِسِ لِتَقَدُّمِهِ فِي بَابِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَشَرْطُ قَابِلِهِ إطْلَاقُ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ، فَإِنْ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنِ مَالِهِ بَانَتْ، وَلِلزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهَا مَهْرُ مِثْلٍ فِي صُورَةِ الْعَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهَا، وَفِي صُورَةِ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى، وَفِي قَوْلٍ مَهْرُ مِثْلٍ، وَإِنْ أَذِنَ وَعَيَّنَ عَيْنًا لَهُ أَوْ قَدَّرَ دَيْنًا فَامْتَثَلَتْ تُعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَبِكَسْبِهَا فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ اقْتَضَى مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْ كَسْبِهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُلْتَزِمُ فَقَالَ ‏(‏وَشَرْطُ قَابِلِهِ‏)‏ أَيْ الْخُلْعِ أَوْ مُلْتَمِسِهِ لِيَصِحَّ خُلْعُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ ‏(‏إطْلَاقُ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ‏)‏ بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِثُبُوتِ الْمَالِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي قَابِلِهِ ذَلِكَ بَلْ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ فَقَطْ‏.‏

وَلِلْحَجْرِ أَسْبَابٌ خَمْسَةٌ‏:‏ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً‏:‏ الرِّقُّ، وَالسَّفَهُ، وَالْمَرَضُ، وَأَسْقَطَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مَعَهُمَا لَغْوٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُخْتَلِعَةُ مُمَيِّزَةً كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ فَلَا عِبْرَةَ بِعِبَارَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ بِخِلَافِ السَّفِيهَةِ وَجَعَلَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُمَيِّزَةَ كَالسَّفِيهَةِ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الْأَوَّلِ‏:‏ فَقَالَ ‏(‏فَإِنْ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ‏)‏ لَهَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ ‏(‏بِدَيْنٍ‏)‏ فِي ذِمَّتِهَا ‏(‏أَوْ عَيْنِ مَالِهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ أَوْ عَيْنِ مَالِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَخَمْرٍ ‏(‏بَانَتْ‏)‏ فِي الْجَمِيعِ لِوُقُوعِهِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا نَجَّزَ الطَّلَاقَ، فَإِنْ قَيَّدَهُ بِتَمْلِيكِ تِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ‏:‏ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏وَلِلزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهَا‏)‏ إذَا بَانَتْ ‏(‏مَهْرُ مِثْلٍ فِي صُورَةِ الْعَيْنِ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهَا‏)‏ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، وَإِلَّا فَمِثْلُهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَدَلِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ لَكَانَ أَعَمَّ ‏(‏وَفِي صُورَةِ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى‏)‏ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا كَمَا يَصِحُّ الْتِزَامُ الرَّقِيقِ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ مَهْرُ مِثْلٍ‏)‏ وَرَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ‏:‏ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَوَطِئَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ الْآنَ قَطْعًا، وَتَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ فَلَا تَضُرُّ جَهَالَةُ وَقْتِهِ، وَلَوْ خَالَعَتْ الْأَمَةُ بِمَالٍ وَشَرَطَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا فَسَدَ وَرَجَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعِتْقِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَهَذَا عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَيُفْسِدُهُ ‏(‏وَإِنْ أَذِنَ‏)‏ السَّيِّدُ لَهَا فِي الِاخْتِلَاعِ وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً كَمَا هُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ ‏(‏وَعَيَّنَ‏)‏ لَهَا مِنْ مَالِهِ ‏(‏عَيْنًا لَهُ‏)‏ لَهَا تَخْتَلِعُ بِهَا ‏(‏أَوْ قَدَّرَ‏)‏ لَهَا ‏(‏دَيْنًا‏)‏ فِي ذِمَّتِهَا كَالدِّينَارِ ‏(‏فَامْتَثَلَتْ‏)‏ تَعَلَّقَ الزَّوْجُ ‏(‏بِالْعَيْنِ‏)‏ فِي صُورَتِهَا ‏(‏وَبِكَسْبِهَا فِي‏)‏ صُورَةِ ‏(‏الدَّيْنِ‏)‏ وَبِمَا فِي يَدِهَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ مَأْذُونَةً كَمَهْرِ الْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُكْتَسِبَةً وَلَا مَأْذُونَةً فَفِي ذِمَّتِهَا تُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهَا وَيَسَارِهَا وَلَا يَكُونُ السَّيِّدُ بِإِذْنِهِ فِي الْخُلْعِ بِالدَّيْنِ ضَامِنًا لَهُ كَمَهْرِ النِّكَاحِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏الْإِذْنَ‏)‏ لِأَمَتِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ عَيْنًا وَلَا دَيْنًا ‏(‏اقْتَضَى مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْ كَسْبِهَا‏)‏ وَمِمَّا بِيَدِهَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ مَأْذُونَةً كَمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَامْتَثَلَتْ عَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَالزِّيَادَةُ تُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تُخَالِعَ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ بِرَقَبَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، إذْ لَوْ صَحَّ لَقَارَنَتْ الْفُرْقَةُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ، وَمِلْكُ الْمَنْكُوحَةِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ غَيْرُ مُدَبَّرَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَبِيهِ بِمَوْتِهِ فَمَاتَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ لَهَا حَالَةَ مَوْتِ أَبِيهِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً طَلُقَتْ لِعِتْقِهَا بِمَوْتِ الْأَبِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْقِنَّةِ‏.‏ أَمَّا الْمُبَعَّضَةُ، فَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى مَا مَلَكَتْهُ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ، أَوْ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَتْ كَالْأَمَةِ، وَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى الْأَمْرَيْنِ صَارَتْ الصَّفْقَةُ جَامِعَةً لِأَمْرَيْنِ حُكْمُهُمَا عَلَى مَا يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ‏.‏ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْقِنَّةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ فِيهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ، وَالْمَنْصُوصَ أَنَّ خُلْعَهَا بِإِذْنٍ كَهُوَ بِلَا إذْنٍ لَا يُطَابِقُ مَا فِي الرَّافِعِيِّ، بَلْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ إنَّهُ غَلَطٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ خَالَعَ سَفِيهَةً أَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي، فَقَالَ ‏(‏وَإِنْ خَالَعَ‏)‏ بَعْدَ الدُّخُولِ ‏(‏سَفِيهَةً‏)‏ أَيْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِسَفَهٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَأَنْ قَالَ‏:‏ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ ‏(‏أَوْ قَالَ طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا‏)‏ وَلَغَا ذِكْرُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا صَرْفُ مَالِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِبَعْدِ الدُّخُولِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا وَلَا مَالَ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ‏:‏ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَبِمَحْجُورٍ عَلَيْهَا مَا إذَا سَفِهَتْ بَعْدَ رُشْدِهَا وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهَا عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ تَطْلُقْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ عَلَى شَيْءٍ‏.‏ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا‏:‏ إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ فِي الْحَالِ أَبْرَأْتُك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْهُ وَاعْتَمَدَهُ، وَإِنْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، إذْ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِبْرَاءُ لَمْ تُوجَدْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلِلْبُلْقِينِيِّ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِالْإِعْطَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ، وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ لَوْ سَلَخَ الْإِعْطَاءَ عَنْ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ التَّمْلِيكُ إلَى مَعْنَى الْإِقْبَاضِ فَتَطْلُقُ رَجْعِيًّا ‏(‏فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ تَطْلُقْ‏)‏ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَقْتَضِي الْقَبُولَ فَأَشْبَهَتْ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى صِفَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهَا، وَلَوْ قَالَ لِرَشِيدَةٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ خَالَعْتُكُمَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَهُمَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ مِنْهُمَا، فَإِنْ قَبِلَتَا بَانَتْ الرَّشِيدَةُ لِصِحَّةِ الْتِزَامِهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِلْجَهْلِ بِمَا يَلْزَمُهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَطَلُقَتْ السَّفِيهَةُ رَجْعِيًّا لِمَا مَرَّ،‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ الْمَرِيضَةِ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ، فَقَالَ ‏(‏وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ الْمَرِيضَةِ‏)‏ أَيْ الَّتِي مَرِضَتْ ‏(‏مَرَضَ الْمَوْتِ‏)‏ لِأَنَّ لَهَا صَرْفَ مَالِهَا فِي أَغْرَاضِهَا وَمَلَاذِّهَا بِخِلَافِ السَّفِيهَةِ كَمَا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْكِحَ أَبْكَارًا بِمُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ‏(‏وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا‏)‏ قَدْرٌ ‏(‏زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَقَلِّ مِنْهُ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا هُوَ بِالزَّائِدِ فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ لِخُرُوجِهِ بِالْخُلْعِ عَنْ الْإِرْثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ كَابْنِ عَمٍّ أَوْ مُعْتَقٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ جَعَلُوا خُلْعَ الْمُكَاتَبِ تَبَرُّعًا وَإِنْ كَانَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ فَهَلَّا كَانَ الْمَرِيضُ كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ أَتَمُّ، وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَيَصِحُّ خُلْعُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَبْقَى لِلْوَارِثِ لَوْ لَمْ يُخَالِعْ‏.‏

المتن‏:‏

وَرَجْعِيَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ، لَا بَائِنٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْبُضْعُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الزَّوْجُ فَقَالَ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ اخْتِلَاعُ ‏(‏رَجْعِيَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِافْتِدَاءِ لِجَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ، وَيُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا لَوْ عَاشَرَ الرَّجْعِيَّةَ مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ بِلَا وَطْءٍ وَانْقَضَتْ الْأَقْرَاءُ أَوْ الْأَشْهُرُ وَقُلْنَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَلَا يُرَاجِعُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ خُلْعُهَا لِأَنَّهَا بَائِنٌ إلَّا فِي الطَّلَاقِ ‏(‏لَا بَائِنٍ‏)‏ بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ خُلْعُهَا إذْ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهَا حَتَّى يُزِيلَهُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ قَالَتْ‏:‏ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَطَالِقٌ ثَانِيَةً، وَطَالِقٌ ثَالِثَةً، فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِوَضِ الْأُولَى وَقَعَتْ دُونَ الْأَخِيرَتَيْنِ، أَوْ الثَّانِيَةَ وَقَعَتْ الْأُولَتَانِ دُونَ الثَّالِثَةِ‏.‏ أَوْ الثَّالِثَةَ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ، وَالْخُلْعُ فِي الرِّدَّةِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَفِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَوْقُوفٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ عِوَضُهُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا دَيْنًا وَعَيْنًا وَمَنْفَعَةً، وَلَوْ خَالَعَ بِمَجْهُولٍ أَوْ خَمْرٍ بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ بِبَدَلِ الْخَمْرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْعِوَضُ فَقَالَ ‏(‏وَيَصِحُّ عِوَضُهُ‏)‏ أَيْ الْخُلْعِ ‏(‏قَلِيلًا وَكَثِيرًا دَيْنًا وَعَيْنًا وَمَنْفَعَةً‏)‏ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، فَجَازَ بِمَا ذُكِرَ كَالصَّدَاقِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمَنْفَعَةَ صُورَتَانِ‏:‏ إحْدَاهُمَا الْخُلْعُ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ سُكْنَاهَا، فَفِي الْبَحْرِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ الْمَسْكَنِ حَرَامٌ، فَلَهَا السُّكْنَى وَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ‏.‏ ثَانِيَتُهُمَا‏:‏ الْخُلْعُ عَلَى تَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ فِي الصَّدَاقِ حَيْثُ قَالُوا بِالتَّعَذُّرِ‏:‏ إنَّهُ لَا يَصِحُّ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شُرُوطُ الثَّمَنِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَمَوَّلًا مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ فَعَلَى هَذَا ‏(‏لَوْ خَالَعَ بِمَجْهُولٍ‏)‏ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ‏(‏أَوْ خَمْرٍ‏)‏ مَعْلُومَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُتَمَلَّكُ ‏(‏بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ فَسَادِ الْعِوَضِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ بِبَدَلِ الْخَمْرِ‏)‏ وَهُوَ قَدْرُهَا مِنْ الْعَصِيرِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي إصْدَاقِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشَارَ بِالتَّمْثِيلِ بِالْخَمْرِ إلَى النَّجَسِ الْمَقْصُودِ فَخَرَجَ مَا لَا يُقْصَدُ كَالدَّمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا، فَإِنَّ الدَّمَ قَدْ يُقْصَدُ لِأَغْرَاضٍ، وَرَدَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا أَغْرَاضٌ تَافِهَةٌ فَهِيَ كَالْعَدَمِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ خُلْعَ الْكُفَّارِ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالٍ صَحِيحٌ كَمَا فِي أَنْكِحَتِهِمْ، فَإِنْ وَقَعَ إسْلَامٌ بَعْدَ قَبْضِهِ كُلِّهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، أَوْ قَبْلَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ فَالْقِسْطُ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَيْنٍ فَتَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً أَوْ مُعَيَّنَةً فَرَدَّهَا، أَوْ فَاتَتْ مِنْهَا صِفَةٌ مَشْرُوطَةٌ فَرَدَّهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْعِوَضُ فِي يَدِهَا كَالْمَهْرِ فِي يَدِهِ فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ، وَقِيلَ‏:‏ ضَمَانَ يَدٍ، وَمَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ بِالْمَجْهُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْلِيقٌ، أَوْ عُلِّقَ بِإِعْطَاءِ مَجْهُولٍ يُمْكِنُ إعْطَاؤُهُ مَعَ الْجَهَالَةِ‏.‏ أَمَّا إذَا قَالَ‏:‏ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك، أَوْ مِنْ دَيْنِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِهِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُوجَدْ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يُوَافِقُهُ، وَفِي كَلَامِ الْقَفَّالِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُخَالِفُهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ فَقَالَ‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ أَبْرَأْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَبْرَأَتْهُ جَاهِلَةً بِهِ لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ إنْ أَبْرَأْتِنِي، وَمَحَلُّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الصَّدَاقِ، أَوْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا مَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَلِكَ الدَّيْنِ زَكَاةٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ وَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ قَدْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ الْفُقَرَاءُ، فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَالَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي قَدْرِهَا، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْإِبْرَاءُ مِنْ جِهَةِ الْمُبْرِئِ تَمْلِيكٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُبْرَإِ إسْقَاطٌ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، هَذَا إذَا لَمْ يَئُلْ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى مُعَاوَضَةٍ كَمَا هُنَا وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ‏:‏ أَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الزَّوْجِ بِمِقْدَارِ مَا أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ غَلِطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمَاعَةٌ وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُبْرَأِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْبَيْنُونَةِ بِالْخَمْرِ مَا لَوْ خَالَعَ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجَةِ مِنْ أَبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ عَلَى هَذَا الْخَمْرِ، أَوْ الْمَغْصُوبِ، أَوْ عَبْدِهَا هَذَا، أَوْ عَلَى صَدَاقِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنِيَابَةٍ وَلَا اسْتِقْلَالٍ، بَلْ أَطْلَقَ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ تَقَعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ رَجْعِيًّا وَلَا مَهْرَ سِوَاهَا‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ خَالَعَهَا بِمَا فِي كَفِّهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ، فَفِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْوَسِيطِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا، وَعَنْ غَيْرِهِ وُقُوعُهُ بَائِنًا‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ فِيمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ فِيمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ فِي كَفِّهَا شَيْئًا‏.‏ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ الْمَعْرُوفُ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وُقُوعُهُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَصَوَّبَهُ فِي فَتَاوِيهِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَاهُ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ مِنْ تَرْجِيحِ أَنَّهَا تَبِينُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا لَوْ خَالَعَهَا بِبَقِيَّةِ مَهْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَوَجَّهَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ الْجَوْجَرِيُّ بِأَنَّ ‏"‏ مَا ‏"‏ فِي ‏"‏ بِمَا ‏"‏ فِي كَفِّهَا نَكِرَةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى شَيْءٍ وَإِسْنَادُهُ إلَى كَفِّهَا يُشْبِهُ إسْنَادَ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ يَرْفَعُهُ فَيَلْغُو‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذَا يُشْكِلُ بِوُقُوعِهِ رَجْعِيًّا فِي خُلْعٍ بِدَمٍ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ لَا يُقْصَدُ كَمَا مَرَّ فَذِكْرُهُ صَارِفٌ لِلَّفْظِ عَنْ الْعِوَضِ بِخِلَافِ خُلْعِهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا شَيْء فِيهِ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالسُّكُوتِ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْنُونَةَ وَوُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ مَعْلُومٍ نَشَأَ فَاسِدُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَهَالَةِ فَيَصِحُّ فِي الصَّحِيحِ، وَيَجِبُ فِي الْفَاسِدِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَهُمَا التَّوْكِيلُ، فَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ خَالِعْهَا بِمِائَةٍ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ، فَإِنْ نَقَصَ فِيهِمَا لَمْ تَطْلُقْ، وَفِي قَوْلٍ يَقَعُ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا اخْتَلِعْ بِأَلْفٍ فَامْتَثَلَ نَفَذَ، وَإِنْ زَادَ فَقَالَ اخْتَلَعْتُهَا بِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهَا بِوَكَالَتِهَا بَانَتْ، وَيَلْزَمُهَا مَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ الْأَكْثَرُ مِنْهُ وَمِمَّا سَمَّتْهُ، وَإِنْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏التَّوْكِيلُ‏)‏ فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏لِوَكِيلِهِ‏:‏ خَالِعْهَا بِمِائَةٍ‏)‏ مِنْ دَرَاهِمَ مَثَلًا مَعْلُومَةٍ ‏(‏لَمْ يَنْقُصْ‏)‏ وَكِيلُهُ ‏(‏مِنْهَا‏)‏ لِأَنَّهُ دُونَ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَأَفْهَمَ جَوَازَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا قَطْعًا كَمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمِائَةٍ وَثَوْبٍ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِيمَا إذَا زَادَ، كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْهُ مِنْ زَيْدٍ بِكَذَا فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ مُحَابَاتَهُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ إنَّمَا يَقَعُ غَالِبًا عِنْدَ الشِّقَاقِ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْعُدُ قَصْدُ الْمُحَابَاةِ ‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَ‏)‏ الْإِذْنَ لِوَكِيلِهِ كَخُلْعِهَا بِمَالٍ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ ‏(‏لَمْ يَنْقُصْ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ ‏(‏فَإِنْ نَقَصَ فِيهِمَا‏)‏ بِأَنْ خَالَعَ بِدُونِ الْمِائَةِ فِي الْأُولَى وَبِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الثَّانِيَةِ نَقْصًا فَاحِشًا وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا ‏(‏لَمْ تَطْلُقْ‏)‏ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا لَا يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي مِثْلِ هَذَا ‏(‏وَفِي قَوْلِهِ يَقَعُ‏)‏ الطَّلَاقُ ‏(‏بِمَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى بِنَقْصِهِ عَنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمُرَادِ، وَرَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، بِخِلَافِ الْأُولَى لِلْمُخَالَفَةِ فِيهَا لِصَرِيحِ الْإِذْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَلْتَحِقُ بِنُقْصَانِهِ عَنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ مَا لَوْ خَالَعَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ‏(‏وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا‏:‏ اخْتَلِعْ بِأَلْفٍ‏)‏ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا ‏(‏فَامْتَثَلَ نَفَذَ‏)‏ لِوُقُوعِهِ كَمَا أَمَرَتْهُ، كَذَا إنْ اخْتَلَعَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَفِي تَسْلِيمِ الْوَكِيلِ الْأَلْفَ بِغَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعُ ‏(‏إنْ زَادَ‏)‏ وَكِيلُهَا عَلَى مَا سَمَّتْهُ لَهُ ‏(‏فَقَالَ‏:‏ اخْتَلَعْتُهَا بِأَلْفَيْنِ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏مِنْ مَالِهَا بِوَكَالَتِهَا بَانَتْ‏)‏ عَلَى النَّصِّ ‏(‏وَيَلْزَمُهَا مَهْرُ مِثْلٍ‏)‏ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى بِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَائِدًا عَلَى مَا سَمَّتْ لِلْوَكِيلِ أَمْ نَاقِصًا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏:‏‏)‏ يَلْزَمُهَا ‏(‏الْأَكْثَرُ مِنْهُ‏)‏ أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ ‏(‏وَمِمَّا سَمَّتْهُ‏)‏ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ الْمُسَمَّى، فَإِنْ كَانَ الَّذِي سَمَّتْهُ أَكْثَرَ فَقَدْ رَضِيَتْ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَالصَّوَابُ فِيهِ مَا جَوَّزَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَمَّتْهُ هِيَ، وَمِنْ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمِمَّا سَمَّاهُ الْوَكِيلُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ مَا لَمْ يَزِدْ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مُسَمَّى الْوَكِيلِ، فَإِنْ زَادَ وَجَبَ مَا سَمَّاهُ لَاسْتَقَامَ، فَلَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفَيْنِ وَسَمَّتْ أَلْفًا فَسَمَّى الْوَكِيلُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ لَزِمَهَا عَلَى قَضِيَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَلْفَانِ، وَعَلَى مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَلَا يُطَالِبُ وَكِيلُهَا بِمَا لَزِمَهَا إلَّا إنْ ضَمِنَ كَأَنْ يَقُولَ‏:‏ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، فَيُطَالِبُ بِمَا سُمِّيَ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِوَكَالَتِهَا بَلْ‏.‏

المتن‏:‏

أَضَافَ الْوَكِيلُ الْخُلْعَ إلَى نَفْسِهِ فَخُلْعُ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلَيْهَا مَا سَمَّتْ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَضَافَ الْوَكِيلُ الْخُلْعَ إلَى نَفْسِهِ فَخُلْعُ أَجْنَبِيٍّ‏)‏ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَالْمَالُ عَلَيْهِ‏)‏ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ إعْرَاضٌ عَنْ التَّوْكِيلِ وَاسْتِبْدَادٌ بِالْخُلْعِ مَعَ الزَّوْجِ ‏(‏وَإِنْ أَطْلَقَ‏)‏ الْوَكِيلُ الْخُلْعَ بِأَنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهِ وَلَا إلَيْهَا وَقَدْ نَوَاهَا ‏(‏فَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلَيْهَا مَا سَمَّتْ‏)‏ لِالْتِزَامِهَا إيَّاهُ ‏(‏وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ‏)‏ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّتْهُ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَلْفٌ، لَكِنْ يُطَالِبُ بِمَا سَمَّاهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا سَمَّتْهُ إذَا غَرَّمَهُ، وَلِلزَّوْجِ مُطَالَبَتُهَا بِمَا لَزِمَهَا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا سَمَّتْهُ وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مُسَمَّى الْوَكِيلِ كَمَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ التَّكْمِلَةُ إنْ نَقَصَ عَنْهُ، وَلَوْ أَضَافَ الْوَكِيلُ مَا سَمَّتْهُ إلَيْهَا وَالزِّيَادَةَ إلَى نَفْسِهِ ثَبَتَ الْمَالُ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَطْلَقَتْ التَّوْكِيلَ بِالِاخْتِلَاعِ فَكَأَنَّهَا قَدَّرَتْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا يَزِيدُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ وَعَلَيْهِ مَا زَادَ، كَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْمُقَدَّرِ، وَلَوْ خَالَعَ وَكِيلُهَا الزَّوْجَ بِنَحْوِ خَمْرٍ كَخِنْزِيرٍ وَلَوْ بِإِذْنِهَا فِيهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ، وَإِنْ خَالَعَ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِنَحْوِ خَمْرٍ وَكَانَ قَدْ وَكَّلَهُ بِذَلِكَ نَفَذَ أَيْضًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا مَرَّ‏.‏ نَعَمْ إنْ خَالَفَ وَكِيلُهُ فَأَبْدَلَ خَمْرًا وَكَّلَهُ بِالْخُلْعِ بِهَا بِخِنْزِيرٍ لَغَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ ذِمِّيًّا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ فِي الْخُلْعِ وَلَوْ مِنْ مُسْلِمَةٍ ‏(‏ذِمِّيًّا‏)‏ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْكَافِرِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخَالِعُ الْمُسْلِمَةَ أَوْ يُطَلِّقُهَا وَلَوْ كَانَ وَثَنِيًّا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَتَخَلَّفَ وَخَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ حُكِمَ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ‏.‏

المتن‏:‏

وَعَبْدًا وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي قَبْضِ الْعِوَضِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ ‏(‏عَبْدًا‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ ‏(‏وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَلِيُّ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ هُنَا عُهْدَةٌ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ‏)‏ بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ ‏(‏تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ‏)‏ بِسَفَهٍ ‏(‏فِي قَبْضِ الْعِوَضِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، فَإِنْ وَكَّلَهُ وَقَبَضَ كَانَ الزَّوْجُ مُضَيِّعًا لِمَالِهِ، وَيَبْرَأُ الْمُخَالِعُ بِالدَّفْعِ، قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَحَمَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى عِوَضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا تَلِفَ كَانَ عَلَى الْمُلْتَزِمِ وَبَقِيَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ امْتِنَاعَ تَوْكِيلِ الزَّوْجَةِ لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا الْكَافِرَ وَالْعَبْدَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ أَضَافَ الْمَالَ إلَيْهَا فَهِيَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ فِي الْوَكَالَةِ طُولِبَ بِالْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِذَا غَرَّمَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا قَصَدَ الرُّجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي الْوَكَالَةِ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا أَدَّى مِنْ ذَلِكَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا‏.‏ وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا عَنْهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ إلَّا إذَا أَضَافَ الْمَالَ إلَيْهَا فَتَبِينُ وَيَلْزَمُهَا، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَاخْتِلَاعِ السَّفِيهَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ امْرَأَةً بِخُلْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ الْمَنْصُوصُ ‏(‏صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ ‏(‏امْرَأَةً بِخُلْعٍ‏)‏ أَيْ فِي خُلْعِ ‏(‏زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا‏)‏ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تُطَلِّقَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا فَوَّضَ طَلَاقَ نَفْسِهَا إلَيْهَا وَهُوَ تَوْكِيلٌ أَوْ تَمْلِيكٌ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا فَهُوَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَمَنْ صَحَّ أَنْ يَمْلِكَ شَيْئًا صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِلُّ بِالطَّلَاقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ تَوْكِيلَ الزَّوْجَةِ امْرَأَةً فِي خُلْعِهَا صَحِيحٌ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ، ثُمَّ وَكَّلَ امْرَأَةً فِي طَلَاقِ بَعْضِهِنَّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِتَضَمُّنِهِ الِاخْتِيَارَ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا لِلِاخْتِيَارِ فِي النِّكَاحِ، فَكَذَا اخْتِيَارُ الْفِرَاقِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ وَكَّلَا رَجُلًا تَوَلَّى طَرَفًا، وَقِيلَ الطَّرَفَيْنِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ وَكَّلَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَانِ مَعًا ‏(‏رَجُلًا‏)‏ فِي الْخُلْعِ ‏(‏تَوَلَّى طَرَفًا‏)‏ مِنْهُ أَيْ أَيُّهُمَا شَاءَ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ يَتَوَلَّاهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ وَكِيلُهُ، وَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يَتَوَلَّى ‏(‏الطَّرَفَيْنِ‏)‏ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَكْفِي فِيهِ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ ذَلِكَ يَقَعُ الطَّلَاقُ خُلْعًا ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، وَتَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِ ‏"‏ فَصْلٌ ‏"‏ فَقَالَ‏:‏‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في صيغة الخلع‏]‏

المتن‏:‏

الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ، وَفِي قَوْلٍ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَفْظُ الْفَسْخِ كِنَايَةٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، وَتَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ‏:‏ فَصْلٌ ‏(‏الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ‏)‏ يُنْقِصُ الْعَدَدَ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ‏}‏ الْآيَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَسْخًا لِمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ إذْ الْفَسْخُ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الْبَدَلِ كَمَا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِ الثَّمَنِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏:‏ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا‏)‏ وَيَجُوزُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ بَعْدَ تَكَرُّرِهِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِمُعَاوَضَةٍ فَتَكُونُ فَسْخًا كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْسُوبٌ إلَى الْقَدِيمِ، وَفِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ شَيْءٌ، لَا فُرْقَةُ طَلَاقٍ وَلَا فَسْخٌ، وَخَرَجَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا قَطْعًا، وَكَذَا إنْ قَصَدَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ الطَّلَاقَ، أَوْ اقْتَرَنَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ كَخَالَعْتُكِ عَلَى طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ‏.‏ قَالَ الْفُورَانِيُّ‏:‏ وَإِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ عَدَدًا إنْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ، أَوْ فَسْخًا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ ‏(‏فَعَلَى الْأَوَّلِ‏)‏ وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ ‏(‏لَفْظُ الْفَسْخِ‏)‏ كَفَسَخْتُ نِكَاحَك بِكَذَا فَقَبِلَتْ ‏(‏كِنَايَةٌ‏)‏ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ عُرْفًا فِيهِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ بِلَا نِيَّةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لَفْظَ الْفَسْخِ كِنَايَةٌ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ، إذْ اللَّفْظُ لَا يُكَنَّى بِهِ عَنْ لَفْظٍ آخَرَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْفُرْقَةِ بِعِوَضٍ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا طَلَاقٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْمُفَادَاةُ كَخُلْعٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَفْظُ الْخُلْعِ صَرِيحٌ، وَفِي قَوْلٍ كِنَايَةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْمُفَادَاةُ‏)‏ كَفَادَيْتُكَ بِكَذَا حُكْمُهَا ‏(‏كَخُلْعٍ‏)‏ فِي صَرَاحَتِهِ الْآتِيَةِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِوُرُودِ لَفْظَةِ الْمُفَادَاةِ فِي الْقُرْآنِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ ‏(‏وَلَفْظُ الْخُلْعِ صَرِيحٌ‏)‏ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يُحْتَاجُ مَعَهُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ لِإِرَادَةِ الْفِرَاقِ فَكَانَ كَالتَّكَرُّرِ فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالنَّشَائِيُّ، وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ مَالٌ أَمْ لَا ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ هُوَ ‏(‏كِنَايَةٌ‏)‏ فِيهِ يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الطَّلَاقِ حَطًّا لَهُ عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ الْمُتَكَرِّرِ فِي الْقُرْآنِ وَلِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ، وَلِأَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَلْفَاظٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ‏.‏ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ‏:‏ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ مَالٌ أَمْ لَا، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخُلْعَ وَالْمُفَادَاةُ إنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا الْمَالُ فَهُمَا صَرِيحَانِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا فَكِنَايَتَانِ ‏(‏فَعَلَى الْأَوَّلِ‏)‏ وَهُوَ صَرَاحَةُ الْخُلْعِ ‏(‏لَوْ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ‏)‏ مَعَ زَوْجَتِهِ بِنِيَّةِ الْتِمَاسِ قَبُولِهَا وَلَمْ يَنْفِ الْعِوَضَ كَأَنْ قَالَ‏:‏ خَالَعْتُكِ أَوْ فَادَيْتُكِ وَنَوَى الْتِمَاسَ قَبُولِهَا فَقَبِلَتْ بَانَتْ، وَ ‏(‏وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لَاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ بِعِوَضٍ فَيُرْجَعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ كَالْخُلْعِ بِمَجْهُولٍ، فَإِنْ جَرَى مَعَ أَجْنَبِيٍّ طَلُقَتْ مَجَّانًا كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ الْعِوَضُ فَاسِدٌ، وَلَوْ نَفَى الْعِوَضَ فَقَالَ‏:‏ خَالَعْتُكِ بِلَا عِوَضٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَإِنْ قَبِلَتْ وَنَوَى الْتِمَاسَ قَبُولِهَا فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ قَبِلَتْ وَلَمْ يُضْمِرْ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ جَزْمًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ مِنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ‏.‏ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ صَرِيحٌ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ، فَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ مَعَ وُجُودِ مُصَحِّحٍ لَهُ وَهُوَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ ا هـ‏.‏ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا أَمْكَنَ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ لَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا، إذْ لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي قَيَّدْت بِهَا كَلَامَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِالْعَجَمِيَّةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ الْخُلْعُ عَلَى قَوْلَيْ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ ‏(‏بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ‏)‏ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا وَسَيَأْتِي مُعْظَمُهَا فِي بَابِهِ ‏(‏مَعَ النِّيَّةِ‏)‏ لِلطَّلَاقِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعًا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ ‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ الْخُلْعُ أَيْضًا بِالتَّرْجَمَةِ عَنْهُ ‏(‏بِالْعَجَمِيَّةِ‏)‏ وَغَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا فَقَالَتْ اشْتَرَيْت فَكِنَايَةُ خُلْعٍ، وَإِذَا بَدَأَ بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ خَالَعْتُكِ بِكَذَا، وَقُلْنَا‏:‏ الْخُلْعُ طَلَاقٌ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ ‏(‏بِعْتُك نَفْسَكِ بِكَذَا‏)‏ كَأَلْفٍ ‏(‏فَقَالَتْ‏)‏ فَوْرًا ‏(‏اشْتَرَيْت‏)‏ أَوْ نَحْوَهُ كَقَبِلْتُ ‏(‏فَكِنَايَةُ خُلْعٍ‏)‏ سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا أَمْ فَسْخًا بِخِلَافِ مَا لَمْ يَذْكُرْ كَذَا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ نَفَاذُهُ فِي مَوْضُوعِهِ، إذْ مَوْضُوعُهُ الْمَحَلُّ الْمُخَاطَبُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُك طَلَاقَك بِكَذَا أَوْ قَالَتْ‏:‏ بِعْتُك ثَوْبِي مَثَلًا بِطَلَاقِي كَانَ كِنَايَةً أَيْضًا، ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخُلْعُ مِنْ شَوَائِبِ الْعُقُودِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَإِذَا بَدَأَ‏)‏ الزَّوْجُ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى ابْتَدَأَ ‏(‏بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ خَالَعْتُكِ بِكَذَا‏)‏ كَأَلْفٍ فَقَبِلَتْ ‏(‏وَقُلْنَا الْخُلْعَ‏)‏ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ‏(‏طَلَاقٌ‏)‏ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ ‏(‏فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ‏)‏ لِأَخْذِهِ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ ‏(‏فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ‏)‏ لِتَوَقُّفِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ عَلَى قَبُولِ الْمَالِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا‏:‏ الْخُلْعُ فَسْخٌ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلتَّعْلِيقِ فِيهَا بَلْ هُوَ كَابْتِدَاءِ الْبَيْعِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ‏(‏لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا‏)‏ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْمُعَاوَضَاتِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا بِلَفْظٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا‏)‏ أَيْ الْمُخْتَلِعَةِ النَّاطِقَةِ ‏(‏بِلَفْظٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ‏)‏ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ زَمَنٍ طَوِيلٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ، فَتَقُولُ قَبِلْت أَوْ اخْتَلَعْتُ أَوْ نَحْوَهُ، فَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تُعْطِيَهُ الْقَدْرَ، أَمَّا الْخَرْسَاءُ فَتَكْفِي إشَارَتُهَا الْمُفْهِمَةُ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسُهُ أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَالْأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَوُجُوبُ أَلْفٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَبُولِ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ ‏(‏فَلَوْ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسُهُ‏)‏ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفَيْنِ فَقَبِلَتْ بِأَلْفٍ ‏(‏أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ‏)‏ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ أَلْفَيْنِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِأَنَّ الْقَبُولَ جَوَابُ الْإِيجَابِ، فَإِذَا خَالَفَهُ فِي الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ جَوَابًا، وَالْإِعْطَاءُ لَيْسَ جَوَابًا وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ، فَإِذَا أَتَتْ بِأَلْفَيْنِ فَقَدْ أَتَتْ بِأَلْفٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِالزِّيَادَةِ، قَالَهُ الْإِمَامُ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَالْأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَ‏)‏ الْأَصَحُّ أَيْضًا ‏(‏وُجُوبُ أَلْفٍ‏)‏ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَقِلٌّ بِالطَّلَاقِ وَالزَّوْجَةُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهَا بِسَبَبِ الْمَالِ، فَإِذَا قَبِلَتْ الْمَالَ اُعْتُبِرَ فِي الطَّلَاقِ جَانِبُ الزَّوْجِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي الْمِلْكُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَالطَّلَاقُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَقَعُ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ نَظَرًا إلَى قَبُولِهَا وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِاخْتِلَافِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتِنِي فَتَعْلِيقٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَلَا الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي فَكَذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ بَدَأَ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ‏)‏ فِي الْإِثْبَاتِ ‏(‏كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا‏)‏ بِزِيَادَةِ مَا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ أَيْ حِينَ أَوْ زَمَانَ أَوْ وَقْتَ ‏(‏أَعْطَيْتِنِي‏)‏ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏فَتَعْلِيقٌ‏)‏ مَحْضٌ مِنْ جَانِبِهِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الصِّفَةِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، وَحِينَئِذٍ ‏(‏فَلَا رُجُوعَ لَهُ‏)‏ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ كَالتَّعْلِيقِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ فِيهِ ‏(‏الْقَبُولُ لَفْظًا‏)‏ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِيه ‏(‏وَلَا الْإِعْطَاءُ‏)‏ فَوْرًا ‏(‏فِي الْمَجْلِسِ‏)‏ أَيْ مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَا يَرْتَبِطُ بِهِ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ دُونَ مَكَانِ الْعَقْدِ، فَمَتَى وُجِدَ الْإِعْطَاءُ طَلُقَتْ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الزَّمَانِ وَعُمُومِهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ قَيَّدَ فِي هَذِهِ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان تَعَيَّنَ وَخَرَجَ بِالْإِثْبَاتِ مَا إذَا بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ بِمَتَى وَنَحْوِهَا فِي النَّفْيِ، كَقَوْلِهِ‏:‏ مَتَى لَمْ تُعْطِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ لِلْفَوْرِ؛ لِأَنَّ مَتَى وَنَحْوَهَا فِي النَّفْيِ تَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَبِالزَّوْجِ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ‏:‏ مَتَى طَلَّقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، اُخْتُصَّ الْجَوَابُ بِمَجْلِسِ التَّوَاجُبِ، وَفَرَّقَ الْغَزَالِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى جَانِبِهِ التَّعْلِيقُ وَعَلَى جَانِبِهَا الْمُعَاوَضَةُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ إنْ‏)‏ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ‏(‏أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي‏)‏ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏فَكَذَلِكَ‏)‏ أَيْ فَتَعْلِيقٌ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَلَا الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيقِ كَمَتَى، وَخَرَجَ بِإِنْ الْمَكْسُورَةِ الْمَفْتُوحَةُ، فَإِنَّ بِهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ بَائِنًا لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إذْ لِأَنَّهَا لِمَاضِي الزَّمَانِ، وَلَكِنَّ قِيَاسَ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، الْفَرْقُ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ ‏(‏لَكِنْ يُشْتَرَطُ‏)‏ فِي التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ ‏(‏إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ‏)‏ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْعِوَضِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَإِنَّمَا تُرِكَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي مَتَى وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ مَعَ كَوْنِ الْمُغَلَّبِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْفَوْرِ فِي الْحُرَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَالْمَشْرُوطُ غَيْرَ خَمْرٍ كَأَنْ قَالَ‏:‏ إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إلَّا مِنْ كَسْبِهَا وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فِي الْمَجْلِسِ غَالِبًا، فَإِنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ كَسْبِهَا وَمَالِ السَّيِّدِ طَلُقَتْ بَائِنًا لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَدَّ الزَّوْجُ الْأَلْفَ لِمَالِكِهَا، وَتَعَلَّقَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِذِمَّتِهَا تُطَالَبُ بِهِ إذَا عَتَقَتْ، فَإِنْ قِيلَ‏:‏ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ‏:‏ إنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إذَا أَعْطَتْهُ ثَوْبًا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّوْبَ مُبْهَمٌ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا فِي الْجُمْلَةِ لِغَيْرِهَا فَقَوِيَ الْإِبْهَامُ فِي الْأَوَّلِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ إلْحَاقُ الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِالْحُرَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ خَمْرًا اُشْتُرِطَ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا، وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ الْخَمْرَ؛ لِأَنَّ يَدَهَا وَيَدَ الْحُرَّةِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ، وَقَدْ تَشْتَمِلُ يَدُهَا عَلَيْهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ بَدَأَتْ بِطَلَبِ طَلَاقٍ فَأَجَابَ فَمُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ، وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ، وَلَوْ طَلَبَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ فَوَاحِدَةً بِثُلُثِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ بَدَأَتْ‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةُ ‏(‏بِطَلَبِ طَلَاقٍ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيقِ، نَحْوُ إنْ أَوْ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَتِهِ كَطَلِّقْنِي عَلَى كَذَا ‏(‏فَأَجَابَ‏)‏ الزَّوْجُ قَوْلَهَا فَوْرًا ‏(‏فَمُعَاوَضَةٌ‏)‏ مِنْ جَانِبِهَا لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْبُضْعَ بِمَا تَبْذُلُهُ مِنْ الْعِوَضِ ‏(‏فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ‏)‏ لِأَنَّهَا تَبْذُلُ الْمَالَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ وَهُوَ الطَّلَاقُ، فَإِذَا أَتَى بِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَحَصَلَ غَرَضُهَا كَالْعَامِلِ فِي الْجَعَالَةِ ‏(‏فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ‏)‏ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْجَعَالَاتِ جَمِيعًا ‏(‏وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ‏)‏ فِي مَحَلِّ التَّوَاجُبِ فِي الصِّيغَةِ السَّابِقَةِ الْمُقْتَضِيَةِ فَوْرًا وَغَيْرِهَا كَالتَّعْلِيقِ بِمَتَى تَغْلِيبًا لِلْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ طَلَّقَ مُتَرَاخِيًا كَانَ مُبْتَدِئًا لَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ رَجْعِيًّا‏.‏ نَعَمْ لَوْ صَرَّحَتْ بِالتَّرَاخِي لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ، وَنَقَلَ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ‏:‏ خَالَعْتُكَ بِكَذَا، فَقَالَ‏:‏ قَبِلْت لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ إلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ تَطَابُقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ‏.‏ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَالَتْ‏:‏ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَعَ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ سَامَحَ بِبَعْضِ مَا طَلَبَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ ‏(‏وَلَوْ طَلَبَتْ‏)‏ مِنْ الزَّوْجِ ‏(‏ثَلَاثًا‏)‏ يَمْلِكُهَا عَلَيْهَا ‏(‏بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ فَوَاحِدَةٌ‏)‏ تَقَعُ ‏(‏بِثُلُثِهِ‏)‏ تَغْلِيبًا لِشَوْبِ الْجَعَالَةِ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ رَدَدْت عَبِيدِي الثَّلَاثَ فَلَكَ أَلْفٌ فَرَدَّ وَاحِدًا اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأَلْفِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَلَا نَوَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةً اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَهَا الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ بِثُلُثِهِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ، وَكَانَ يَعْلَمُ حُكْمَ التَّقْيِيدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَيْضًا فِيهِ إيهَامُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُدَّ ذِكْرَ الْمَالِ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ فَلَا رَجْعَةَ، فَإِنْ شَرَطَهَا فَرَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ، وَفِي قَوْلٍ بَائِنٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ‏)‏ زَوْجَتَهُ ‏(‏بِعِوَضٍ‏)‏ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ، سَوَاءٌ جَعَلْنَا الْخُلْعَ طَلَاقًا أَمْ فَسْخًا ‏(‏فَلَا رَجْعَةَ‏)‏ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَذَلَتْ الْمَالَ لِتَمْلِكَ بُضْعَهَا فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ وِلَايَةَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهَا‏)‏ كَخَالَعْتُكِ أَوْ طَلَّقْتُك بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك الرَّجْعَةَ ‏(‏فَرَجْعِيٌّ‏)‏ يَقَعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّجْعَةِ وَالْمَالِ مُتَنَافِيَانِ فَيَسْقُطَانِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ، وَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ، وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ رَجْعِيٍّ لِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَا مَالَ‏)‏ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِنَقْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ يَقَعُ الطَّلَاقُ ‏(‏بَائِنٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ لِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ، وَكَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَنْصُوصٌ‏.‏ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ‏:‏ إنَّهُ مَخْرَجٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ خَالَعَهَا بِعِوَضٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيهِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الرَّجْعَةِ هُنَا، وَمَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ فَأَجَابَ إنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ، وَلَا مَالَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا طَلُقَتْ بِالْمَالِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ بَيْنَ إيجَابٍ وَقَبُولٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَتْ‏)‏ لَهُ ‏(‏طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ‏)‏ عَقِبَ هَذَا الْقَوْلِ ‏(‏فَأَجَابَ‏)‏ قَوْلَهَا فَوْرًا نُظِرَتْ ‏(‏إنْ كَانَ‏)‏ الِارْتِدَادُ ‏(‏قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ‏)‏ عَلَى الرِّدَّةِ ‏(‏حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ وَلَا مَالَ‏)‏ وَلَا طَلَاقَ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ فِي الْحَالَتَيْنِ ‏(‏وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا‏)‏ أَيْ الْعِدَّةِ بَانَ صِحَّةُ الْخُلْعِ، وَ ‏(‏طَلُقَتْ بِالْمَالِ‏)‏ الْمُسَمَّى وَقْتَ جَوَابِهِ لِبَيَانِ صِحَّةِ الْخُلْعِ، وَتُحْسَبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ تَرَاخَتْ الرِّدَّةُ أَوْ الْجَوَابُ اخْتَلَفَتْ الصِّيغَةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ وَقَعَتْ الرِّدَّةُ مَعَ الْجَوَابِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ الَّذِي يَظْهَرُ بَيْنُونَتُهَا بِالرِّدَّةِ، وَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ كَلَامًا فِي ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ‏:‏ إذَا أَجَابَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ مَعَهَا طَلُقَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ سُؤَالِهَا فَحُكْمُهُ كَرِدَّتِهَا بَعْدَ سُؤَالِهَا ‏(‏وَلَا يَضُرُّ‏)‏ فِي الْخُلْعِ ‏(‏تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ‏)‏ عُرْفًا ‏(‏بَيْنَ إيجَابٍ وَقَبُولٍ‏)‏ فِيهِ‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِارْتِدَادِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَاكَ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَيَضُرُّ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ كَوْنِ الْكَثِيرِ مُضِرًّا إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُخَاطَبِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْجَوَابُ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي النِّكَاحِ اقْتَضَى إيرَادَ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ‏.‏ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْبَغَوِيِّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، وَاعْتَمَدَ هَذَا شَيْخِي، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِتَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِلْيَسِيرِ بِالِارْتِدَادِ فَإِنَّهُ مِنْ جَانِبِ الْمُتَكَلِّمِ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا ضَرَّ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ لِلْعِوَضِ‏]‏

المتن‏:‏

قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَوْ وَلِي عَلَيْك كَذَا، وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُك بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ فَكَهُوَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ سَبَقَ بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا، فَإِذَا قَبِلَتْ بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ لِلْعِوَضِ إذَا ‏(‏قَالَ‏)‏ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ أَنْتِ ‏(‏طَالِقٌ‏)‏ أَوْ طَلَّقْتُك ‏(‏وَعَلَيْك‏)‏ كَذَا ‏(‏أَوْ وَلِي عَلَيْك كَذَا‏)‏ كَأَلْفٍ ‏(‏وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا‏)‏ لِلطَّلَاقِ ‏(‏بِمَالٍ وَقَعَ‏)‏ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ‏(‏رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ‏)‏ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا وَلَا شَرْطًا بَلْ ذَكَرَ جُمْلَةً مَعْطُوفَةً عَلَى الطَّلَاقِ، فَلَا يُتَأَثَّرُ بِهَا وَتَلْغُو فِي نَفْسِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهَا‏:‏ طَلِّقْنِي وَعَلَيَّ أَوْ لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فَأَجَابَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْتِزَامُ الْمَالِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ مِنْهَا عَلَى الِالْتِزَامِ وَالزَّوْجُ يَنْفَرِدُ بِالطَّلَاقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ إذَا لَمْ يَشِعْ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي طَلَبِ الْعِوَضِ وَإِلْزَامِهِ، فَإِنْ شَاعَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ‏:‏ طَلَّقْتُك عَلَى كَذَا، حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ قُدِّمَ اللُّغَوِيُّ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ اللُّزُومِ هُنَا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا إذَا اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ لَفْظٍ فِي إرَادَةِ شَيْءٍ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ، وَالْكَلَامُ هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ مَا إذَا سَبَقَ، فَإِنَّ الصِّيغَةَ تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِلِالْتِزَامِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا طَلَبَتْهُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا، كَقَوْلِهَا‏:‏ طَلِّقْنِي بِمَالٍ وَسَيَأْتِي‏.‏ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ وُقُوعِ مَا ذَكَرَهُ رَجْعِيًّا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ قَالَ أَرَدْت‏)‏ بِهِ ‏(‏مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُكِ بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ‏)‏ الزَّوْجَةُ ‏(‏فَكَهُوَ‏)‏ أَيْ فَكَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك‏.‏ ‏.‏ إلَخْ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فَتَبِينُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْمُسَمَّى إنْ قَبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي اقْتِضَاءِ الْعِوَضِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِلتَّوَافُقِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ، فَكَأَنْ لَا إرَادَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ قَطْعًا إنْ حَلَفَتْ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ قَبِلَتْ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ بَانَتْ بِالْمُسَمَّى، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ فَلَا حَلِفَ وَكَأَنْ لَا إرَادَةَ وَحَيْثُ انْتَفَتْ الْإِرَادَةُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ظَاهِرًا‏.‏ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ يُقْطَعُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا حَلِفَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ فَكَهُوَ فِيهِ جَرُّ الضَّمِيرِ بِالْكَافِ، وَهُوَ شَاذٌّ ‏(‏وَإِنْ سَبَقَ‏)‏ طَلَبُهَا لِلطَّلَاقِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، كَطَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَوْ لِي أَوْ وَلِي عَلَيْك أَلْفٌ ‏(‏بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ‏)‏ لِتَوَافُقِهِمَا عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ‏:‏ وَعَلَيْك أَلْفٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَكَّدًا لَا يَكُونُ مَانِعًا‏.‏ أَمَّا إذَا سَبَقَ طَلَبُهَا بِمَالٍ مُبْهَمٍ، كَطَلِّقْنِي بِمَالٍ، فَإِنْ عَيَّنَهُ فِي جَوَابِهِ كَأَنْ قَالَ‏:‏ طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ، فَإِنْ قَبِلَتْ بَانَتْ بِالْأَلْفِ وَإِلَّا فَلَا طَلَاقَ، وَإِنْ أَبْهَمَ الْجَوَابَ، فَقَالَ‏:‏ طَلَّقْتُك بِمَالٍ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى طَلَّقْتُك بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَ طَلَبُهَا إذَا قَصَدَ جَوَابَهَا‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَصَدْت ابْتِدَاءَ الطَّلَاقِ وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ‏.‏ قَالَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ التَّفْسِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ جَوَابًا ‏(‏وَإِنْ‏)‏ شَرَطَ شَرْطًا إلْزَامِيًّا كَأَنْ ‏(‏قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ‏)‏ أَوْ طَلَّقْتُك ‏(‏عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا‏)‏ كَأَلْفٍ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ‏)‏ الْمَنْصُوصُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّوَابِ الْمُعْتَمَدِ ‏(‏أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا، فَإِذَا قَبِلَتْ‏)‏ فَوْرًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، بِأَنْ تَقُولَ‏:‏ قَبِلْت، وَكَذَا ضَمِنْت كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ‏)‏ لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ، فَجُعِلَ كَوْنُهُ عَلَيْهَا شَرْطًا، فَإِذَا ضَمِنَتْهُ طَلُقَتْ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ‏:‏ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ فِي الطَّلَاقِ يَلْغُو إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَضَايَاهُ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لَكِ عَلَيَّ كَذَا، فَإِذًا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَذْهَبِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ مُحَقَّقٌ؛ لِأَنَّ الْغَزَالِيَّ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَكَأَنَّهُ غَرَّهُ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَالظَّاهِرُ لَمْ يُرِدْ نَقْلَ خِلَافٍ بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي مَوَاضِعَ ا هـ‏.‏ أَمَّا الشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَلَا خِلَافَ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِعْطَاءِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ قَالَ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَمِنَتْ فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ‏)‏ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا ‏(‏فَضَمِنَتْ‏)‏ أَيْ الْتَزَمَتْ لَهُ الْأَلْفَ ‏(‏فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ‏)‏ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِلْزَامِ إيجَابًا وَقَبُولًا، وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَتْهُ الْأَلْفَ أَوْ قَالَتْ رَضِيتُ أَوْ شِئْتُ أَوْ قَبِلْت بَدَلَ ضَمِنْت؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا غَيْرُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الضَّمَانُ الْمُحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ فَذَاكَ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ، وَلَا الِالْتِزَامُ الْمُبْتَدَأُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنَّذْرِ، بَلْ الْمُرَادُ الْتِزَامٌ بِقَبُولٍ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ قَالَ مَتَى ضَمِنْت فَمَتَى ضَمِنَتْ طَلُقَتْ، وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الْأَلْفِ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَقَالَتْ‏:‏ طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ أَوْ عَكْسَهُ بَانَتْ بِأَلْفٍ، فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا، وَإِذَا عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلُقَتْ، وَالْأَصَحُّ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتِنِي فَقِيلَ كَالْإِعْطَاءِ، وَالْأَصَحُّ كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْبَاضِ مَجْلِسٌ‏.‏ قُلْت‏:‏ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا، وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ فَأَعْطَتْهُ لَا بِالصِّفَةِ لَمْ تَطْلُقْ أَوْ بِهَا مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ سَلِيمًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَلْ يَكْفِي مُرَادِفُ الضَّمَانِ كَالِالْتِزَامِ أَوْ لَا‏؟‏ الْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَفِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْقَدْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَى ضَمَانَةٍ لِلزَّوْجِ عَلَى غَيْرِهِ وَقَالَتْ‏:‏ ضَمِنْت لَك وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ مَتَى ضَمِنْت‏)‏ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ يُشْتَرَطُ فَوْرٌ ‏(‏فَمَتَى ضَمِنَتْ‏)‏ أَيْ وَقْتَ ‏(‏طَلُقَتْ‏)‏ لِأَنَّ مَتَى لِلتَّرَاخِي كَمَا سَبَقَ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ إنْ وَمَتَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ قَبْلَ الضَّمَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الْأَلْفِ لَمْ تَطْلُقْ‏)‏ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا ‏(‏وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏طَلُقَتْ‏)‏ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي طَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ لِاشْتِرَاطِ التَّوَافُقِ فِي صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ، ثُمَّ الْمَزِيدُ يَلْغُو ضَمَانُهُ، وَإِذَا قَبَضَ الزَّائِدَ فَهُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ نَقَصَتْ أَوْ زَادَتْ فِي التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَقَالَتْ‏)‏ فَوْرًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ بِالْفَاءِ ‏(‏طَلُقَتْ وَضَمِنَتْ أَوْ‏)‏ قَالَتْ ‏(‏عَكْسَهُ‏)‏ أَيْ ضَمِنَتْ وَطَلُقَتْ ‏(‏بَانَتْ‏)‏ فِي الصُّورَتَيْنِ ‏(‏بِأَلْفٍ‏)‏ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الْمَالِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرْطٌ فِي الْآخَرِ يُعْتَبَرُ اتِّصَالُهُ بِهِ، فَهُمَا قَبُولٌ وَاحِدٌ فَاسْتَوَى تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا وَتَأْخِيرُهُ ‏(‏فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا‏)‏ بِأَنْ ضَمِنَتْ وَلَمْ تَطْلُقْ أَوْ عَكْسُهُ ‏(‏فَلَا‏)‏ تَبِينُ فِيهِمَا وَلَا مَالَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا التَّطْلِيقَ وَجَعَلَ لَهُ شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّطْلِيقِ وَالشَّرْطِ ‏(‏وَإِذَا عَلَّقَ‏)‏ الطَّلَاقَ ‏(‏بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ‏)‏ فَوْرًا ‏(‏بَيْنَ يَدَيْهِ‏)‏ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ ‏(‏طَلَقَتْ‏)‏ بِفَتْحِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ عُرْفًا، وَلِهَذَا يُقَالُ‏:‏ أَعْطَيْت فَلَمْ يَأْخُذْ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إيَّاهُ مِنْ الْأَخْذِ إعْطَاءٌ مِنْهَا، وَهُوَ بِالِامْتِنَاعِ مُفَوِّتٌ لِحَقِّهِ، فَإِنْ قَالَتْ‏:‏ لَمْ أَقْصِدْ الدَّفْعَ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِحَبْسٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ أَنْ يُعْتَبَرَ عِلْمُهُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ دُخُولُهُ‏)‏ أَيْ الْمُعْطَى ‏(‏فِي مِلْكِهِ‏)‏ قَهْرًا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ مَجَّانًا مَعَ قَصْدِ الْعِوَضِ وَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَتُهُ بَعْضَهَا فَيَمْلِكُ الْآخَرُ الْعِوَضَ عَنْهُ وَيَقَعُ بِإِعْطَاءِ وَكِيلِهِمَا إنْ أَمَرَتْهُ بِالْإِعْطَاءِ وَأَعْطَى بِحُضُورِهِمَا وَيَمْلِكُهُ تَنْزِيلًا لِحُضُورِهَا مَعَ إعْطَاءِ وَكِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ إعْطَائِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ فِي غَيْبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْطِهِ حَقِيقَةً وَلَا تَنْزِيلًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَتْهُ عَنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عِوَضًا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَثَلًا فَتَقَاصَّا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَكَالْإِعْطَاءِ الْإِيتَاءُ وَالْمَجِيءُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ إنْ أَقْبَضْتِنِي‏)‏ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏فَقِيلَ‏)‏ حُكْمُهُ ‏(‏كَالْإِعْطَاءِ‏)‏ فِي اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ وَمِلْكِ الْمَقْبُوضِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ أَنَّهُ ‏(‏كَسَائِرِ‏)‏ صُوَرِ ‏(‏التَّعْلِيقِ‏)‏ الَّتِي لَا مُعَاوَضَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَيَكُونُ صِفَةً مَحْضَةً بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ‏:‏ أَعْطَاهُ فُهِمَ مِنْهُ التَّمْلِيكُ وَإِذَا قِيلَ أَقْبَضَهُ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ ‏(‏فَلَا يَمْلِكُهُ‏)‏ أَيْ الْمَقْبُوضَ، وَخَصَّهُ الْمُتَوَلِّي بِمَا إذَا لَمْ تَسْبِقْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ، فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ أَقْبَضْتِنِي كَذَا لِأَقْضِيَ بِهِ دَيْنِي أَوْ لِأَصْرِفَهُ فِي حَوَائِجِي فَتَمْلِيكٌ كَالْإِعْطَاءِ‏.‏ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْبَاضِ‏)‏ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِهِ ‏(‏مَجْلِسٌ‏)‏ أَيْ إقْبَاضٌ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ ‏(‏قُلْت‏:‏ وَيَقَعُ‏)‏ الطَّلَاقُ ‏(‏رَجْعِيًّا‏)‏ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ‏)‏ وَهِيَ الْإِقْبَاضُ ‏(‏أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا‏)‏ فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَبْضًا، وَهَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي صِيغَةِ‏:‏ فَإِنْ قَبَضْت مِنْكَ لَا فِي إنْ أَقْبَضْتِنِي، وَكَذَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ إنَّمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي صِيغَةِ إنْ قَبَضْت مِنْك فَذَكَرَهُ فِي إنْ أَقْبَضْتِنِي‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْغَى شَرْعًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ‏.‏ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْخَنَثِ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَحِينَئِذٍ فَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ سَهْوٌ حَصَلَ مِنْ انْتِقَالِهِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ إنْ قَبَضْت إلَى قَوْلِهِ إنْ أَقْبَضْتِنِي ا هـ‏.‏ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ فَذِكْرُ الْأَصْلِ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْبَاضِ سَبْقُ قَلَمٍ ا هـ‏.‏ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوْجَهُ مِمَّا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ إنَّ الْقَبْضَ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِقْبَاضِ ‏(‏وَلَوْ عَلَّقَ‏)‏ طَلَاقَهَا ‏(‏بِإِعْطَاءِ‏)‏ نَحْوِ ‏(‏عَبْدٍ‏)‏ كَثَوْبٍ ‏(‏وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ‏)‏ وَهِيَ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةِ السَّلَمِ بِأَنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا ‏(‏فَأَعْطَتْهُ‏)‏ عَبْدًا ‏(‏لَا بِالصِّفَةِ‏)‏ الَّتِي وَصَفَهَا ‏(‏لَمْ تَطْلُقْ‏)‏ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَعْطَتْهُ عَبْدًا ‏(‏بِهَا ‏)‏ طَلُقَتْ بِهِ فِي الْأُولَى وَمَهْرُ مِثْلٍ فِي الثَّانِيَةِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ فِيهَا بِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ صِفَةِ السَّلَمِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا فِي الْأُولَى ‏(‏مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ‏)‏ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، فَإِذَا اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ تَخَيَّرَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏مَهْرُ مِثْلٍ‏)‏ لِفَسَادِ الْعِوَضِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ سَلِيمًا‏)‏ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ أَوْ ضَمَانَ يَدٍ، وَمَرَّ أَنَّ الرَّاجِحَ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِعَبْدٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ سَلِيمٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْمُعْطَى بِخِلَافِ غَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ طَلَّقْتُك عَلَى عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا فَقَبِلَتْ وَأَعْطَتْهُ عَبْدًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ مَعِيبًا لَهُ رَدُّهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِعَبْدٍ سَلِيمٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ بِالْقَبُولِ عَلَى عَبْدٍ فِي الذِّمَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مَعَ الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَانَ الزَّوْجُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا رَدَّ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى السَّفِيهِ وَعَلَى الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَالرَّدُّ لِلسَّيِّدِ، أَيْ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ عَبْدًا طَلُقَتْ بِعَبْدٍ إلَّا مَغْصُوبًا فِي الْأَصَحِّ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِعْطَاءِ إنْ أَعْطَيْتِنِي ‏(‏عَبْدًا‏)‏ وَلَمْ يَصِفْهُ ‏(‏طَلُقَتْ بِعَبْدٍ‏)‏ أَيْ بِكُلِّ عَبْدٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، سَلِيمًا أَوْ مَعِيبًا، وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِإِعْطَاءِ خُنْثَى وَأَمَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ‏:‏ إنَّ الْعَبْدَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ طَلُقَتْ بِكُلِّ عَبْدٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ ‏(‏إلَّا مَغْصُوبًا فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ عَامٍّ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إلَّا عَبْدًا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمَرْهُونَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَالثَّانِي‏:‏ تَطْلُقُ بِمَنْ ذُكِرَ كَالْمَمْلُوكِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ الْمُعْطَى وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

دَخَلَ فِي الْمَغْصُوبِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهَا وَهُوَ مَغْصُوبٌ فَأَعْطَتْهُ لِلزَّوْجِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ بَحَثَ الْمَاوَرْدِيُّ الْوُقُوعَ‏.‏ نَعَمْ لَوْ خَرَجَ بِالدَّفْعِ عَنْ الْمَغْصُوبِ فَلَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ فِي غَيْرِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ ‏(‏مَهْرُ مِثْلٍ‏)‏ بَدَلَ الْمُعْطَى لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْهُولُ لَا يَصِحُّ عِوَضًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ تَصْوِيرُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِإِعْطَاءِ الْعَبْدِ فِيهَا مُحْتَمِلٌ لِلتَّمْلِيكِ وَالْإِقْبَاضِ، فَإِنْ أُرِيدَ التَّمْلِيكُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِقْبَاضُ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَمَانَةٌ، وَهُوَ وَجْهٌ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ لَكِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ مِلْكُهُ لِجَهْلِهِ رَجَعَ فِيهِ إلَى بَدَلِهِ، وَحَيْثُمَا ثَبَتَ الْبَدَلُ ثَبَتَ بَائِنًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ فَلَهُ أَلْفٌ، وَقِيلَ ثُلُثُهُ، وَقِيلَ إنْ عَلِمَتْ الْحَالَ فَأَلْفٌ وَإِلَّا فَثُلُثُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي سُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ، فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ‏:‏ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ‏)‏ الَّتِي يَمْلِكُهَا ‏(‏فَلَهُ أَلْفٌ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ عَلِمَتْ الْحَالَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِهَا مَقْصُودُ الثَّلَاثِ، وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ لَهُ ‏(‏ثُلُثُهُ‏)‏ أَيْ الْأَلْفِ تَوْزِيعًا لِلْمُسَمَّى عَلَى الْعَدَدِ، وَهَذَا مِنْ تَخْرِيجِ الْمُزَنِيِّ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ عَلِمَتْ الْحَالَ‏)‏ وَهُوَ مِلْكُهُ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ ‏(‏فَأَلْفٌ‏)‏ لِأَنَّ الْمُرَادَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَمِّلْ لِي الثَّلَاثَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ جَهِلَتْ الْحَالَ ‏(‏فَثُلُثُهُ‏)‏ وَهَذَا تَوَسُّطٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ حَمْلًا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَالَةِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِي عَلَى حَالَةِ الْجَهْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ إحْدَاهُنَّ بِأَلْفٍ وَنَوَى بِهِ الطَّلْقَةَ الْأُولَى أَيْ الْبَاقِيَةَ لَزِمَهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى حَصَلَ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِمُطَابَقَةِ الْجَوَابِ السُّؤَالَ وَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا، أَيْ غَيْرَ مَا يَمْلِكُهَا وَقَعَتْ الْأُولَى، أَيْ الَّتِي يَمْلِكُهَا مَجَّانًا، فَإِنْ قَالَتْ لَهُ‏:‏ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ وَثِنْتَانِ يَقَعَانِ عَلَيَّ إذَا تَزَوَّجْتَنِي بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ يَكُونَانِ فِي ذِمَّتِك تُنْجِزْهُمَا حِينَئِذٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ وَلَغَا كَلَامُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ وَإِثْبَاتَهُ فِي الذِّمَّةِ بَاطِلَانِ، وَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْعِوَضِ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ أَجَازَتْ فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ فَسَخَتْ فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ تُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى غَيْرَ هَذِهِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَتْ‏:‏ طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ أَوْ طَلِّقْ بَعْضِي كَيَدِي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ تَكْمِيلًا لِلْبَعْضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ، وَيَقَعُ أَيْضًا طَلْقَةٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا ابْتَدَأَهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفُك مَثَلًا طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ، أَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ يَدَهَا مَثَلًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فِي الْأُولَى وَعَدَمِ إمْكَانِ التَّقْسِيطِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ طَلَّقَ فِيهَا نِصْفَهَا وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِإِمْكَانِ التَّقْسِيطِ، كَمَا لَوْ قَالَتْ‏:‏ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَنِصْفًا، وَلَوْ طَلَبَتْ عَشْرًا بِأَلْفٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةً اسْتَحَقَّهُ بِوَاحِدَةٍ، أَوْ بِبَعْضِهَا تَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا ثِنْتَيْنِ اسْتَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ عُشْرَهُ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الْجَمِيعَ، أَوْ الثَّلَاثَ اسْتَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ عُشْرَهُ، وَبِثِنْتَيْنِ خُمُسَهُ، وَبِثَلَاثَةٍ جَمِيعَهُ، وَبِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَإِنْ وَقَعَ بِذَلِكَ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا أُوقِعَ لَا بِمَا وَقَعَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ طَلْقَةٍ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ فَقَدْ اعْتَبَرْتُمْ مَا وَقَعَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ أَفَادَهَا الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ، وَقِيلَ بِأَلْفٍ، وَقِيلَ لَا تَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ بِالْمُسَمَّى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَوْ قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ‏:‏ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا لَمْ تَقَعْ الْوَاحِدَةُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ وَوَقَعَ الثِّنْتَانِ مَجَّانًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِالطَّلَاقِ مَجَّانًا، وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَقَعَتْ الْأُولَى فَقَطْ بِثُلُثِهِ لِمُوَافَقَتِهِ مَا اقْتَضَاهُ طَلَبُهَا مِنْ التَّوْزِيعِ دُونَ مَا عَدَاهَا لِبَيْنُونَتِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَوَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَقَعَ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا فَالثِّنْتَانِ دُونَ الثَّالِثَةِ لِلْبَيْنُونَةِ ‏(‏وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ‏)‏ طَلْقَةً ‏(‏بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ‏)‏ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ بِأَلْفٍ‏)‏ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك فَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ وَلَغَا قَوْلُهُ بِمِائَةٍ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ لَا تَقَعُ‏)‏ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلُهُ بِخَطِّهِ لِلْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ كَمَا لَوْ خَالَفَتْهُ فِي قَبُولِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ مَسْأَلَةً، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَتْ‏:‏ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ أَعَادَ ذِكْرَ الْأَلْفِ فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَكَذَا عَلَى الْأَظْهَرِ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَكَأَنَّ ذَلِكَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُحَرَّرِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَحَكَى عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏وَلَوْ قَالَتْ‏:‏ طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ‏)‏ أَوْ وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَوْ إنْ طَلَّقْتَنِي غَدًا فَلَكَ عَلَيَّ، أَوْ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي غَدًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ‏(‏فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ‏)‏ فَسَدَ الْخُلْعُ ‏(‏بَانَتْ‏)‏ لِأَنَّهُ إنْ طَلَّقَ فِي الْغَدِ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهَا، وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَهُ فَقَدْ حَصَّلَهُ مَعَ زِيَادَةٍ، وَلَكِنْ ‏(‏بِمَهْرِ مِثْلٍ‏)‏ لَا بِالْمُسَمَّى، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْخُلْعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُلْعَ دَخَلَهُ شَرْطُ تَأْخِيرِ الطَّلَاقِ وَهُوَ فَاسِدٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيُسْقَطُ مِنْ الْعِوَضِ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَجْهُولًا، وَالْمَجْهُولُ يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ‏(‏وَقِيلَ فِي قَوْلٍ‏)‏ مِنْ طَرِيقِ حَاكِيهِ لِقَوْلَيْنِ بَانَتْ ‏(‏بِالْمُسَمَّى‏)‏ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَسَادِ الْخُلْعِ وَلُزُومَ الْمُسَمَّى مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَانَتْ بِمِثْلِ الْمُسَمَّى كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى، وَلَوْ قَصَدَ بِطَلَاقِهِ فِي الْغَدِ ابْتِدَاءَ الطَّلَاقِ وَقَعَ رَجْعِيًّا، فَإِنْ اتَّهَمَتْهُ حَلَفَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْغَدِ وَقَعَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَهَا فَكَانَ مُبْتَدِئًا، فَإِنْ ذَكَرَ مَالًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ قَالَ‏:‏ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَدَخَلْت طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ بِالْمُسَمَّى، وَفِي وَجْهٍ، أَوْ قَوْلٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ‏)‏ قَالَتْ طَلِّقْنِي شَهْرًا فَفَعَلَ وَقَعَ مُؤَبَّدًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُؤَقَّتُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِالتَّأْقِيتِ أَوْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ كَأَنْ ‏(‏قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ‏)‏ فَوْرًا ‏(‏وَدَخَلَتْ‏)‏ بَعْدَ قَبُولِهَا وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ ‏(‏طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ الْقَبُولِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيَمْتَنِعُ مَعَهُ ثُبُوتُ الْمَالِ فَيَنْتَفِي الطَّلَاقُ الْمَرْبُوطُ بِهِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ ‏(‏بِالْمُسَمَّى‏)‏ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى الطَّلَاقِ، بَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْوَاضَ الْمُطْلَقَةَ يَلْزَمُهَا تَسْلِيمُهَا فِي الْحَالِ وَالْمُعَوَّضُ تَأَخَّرَ لِوُقُوعِهِ فِي التَّعْلِيقِ، بِخِلَافِ الْمُنَجَّزِ مِنْ خُلْعٍ وَغَيْرِهِ يَجِبُ فِيهِ تَقَارُنُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمِلْكِ ‏(‏وَ‏)‏ طَلُقَتْ ‏(‏فِي وَجْهٍ، أَوْ قَوْلٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ‏)‏ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيُؤَثِّرُ فَسَادُ الْعِوَضِ دُونِ الطَّلَاقِ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ وَإِذَا فَسَدَ الْعِوَضُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَبِعَ الْمُحَرَّرَ فِي التَّرَدُّدِ فِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ أَنَّهُ وَجْهٌ حَيْثُ قَالَا‏:‏ وَجْهَانِ، وَيُقَالُ‏:‏ قَوْلَانِ‏.‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْخُلْعِ بِالْمُسَمَّى مَا لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ فِي غَالِبِ الظَّنِّ فَتَطْلُقُ إذَا أَعْطَتْهُ وَلَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلٍ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ، وَإِنْ كَرِهَتْ الزَّوْجَةُ وَهُوَ كَاخْتِلَاعِهَا لَفْظًا وَحُكْمًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ وَلِيًّا لَهَا أَمْ غَيْرَهُ فَقَالَ ‏(‏وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ‏)‏ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِلَفْظِ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ ‏(‏وَإِنْ كَرِهَتْ الزَّوْجَةُ‏)‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ، وَالْأَجْنَبِيُّ مُسْتَقِلٌّ بِالِالْتِزَامِ، وَلَهُ بَذْلُ الْمَالِ وَالْتِزَامُهُ فِدَاءً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْخُلْعَ فِدَاءً فَجَازَ كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ، وَكَمَا يُبْذَلُ الْمَالُ فِي عِتْقِ عَبْدٍ لِسَيِّدِهِ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الرِّقِّ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ غَرَضٌ دِينِيٌّ بِأَنْ يَرَاهُمَا لَا يُقِيمَانِ حُدُودَ اللَّهِ، أَوْ يَجْتَمِعَانِ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا يُنْقِذُهُمَا مِنْ ذَلِكَ فَيَفْعَلُ طَلَبًا لِثَوَابٍ، أَوْ دُنْيَوِيٍّ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ اخْتِلَاعُ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الزَّوْجِ ‏(‏كَاخْتِلَاعِهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ ‏(‏لَفْظًا‏)‏ أَيْ فِي أَلْفَاظِ الِالْتِزَامِ ‏(‏وَحُكْمًا‏)‏ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ ابْتِدَاءُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَجْنَبِيِّ ابْتِدَاءُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ، فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْأَجْنَبِيِّ‏:‏ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِك فَقَبِلَ، أَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلزَّوْجِ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِي فَأَجَابَهُ بَانَتْ بِالْمُسَمَّى، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِ الْأَجْنَبِيِّ نَظَرًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَوَقَعَ لِلشَّارِحِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ نَظَرًا لِشَوْبِ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ إجَابَةِ الزَّوْجِ نَظَرًا لِشَوْبِ الْجَعَالَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ ‏"‏ وَحُكْمًا ‏"‏ صُوَرٌ‏:‏ إحْدَاهَا مَا لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَخَالَعَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْهُمَا بِأَلْفٍ مَثَلًا مِنْ مَالِهِ صَحَّ بِأَلْفٍ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ لِلزَّوْجِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَتَيْنِ إذَا اخْتَلَعَتَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفْصَلَ مَا يَلْتَزِمُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏ الثَّانِيَةُ لَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرِيضَةُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمَهْرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْأَجْنَبِيِّ الْجَمِيعُ مِنْ الثُّلُثِ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ‏:‏ طَلِّقْهَا عَلَى هَذَا الْمَغْصُوبِ، أَوْ عَلَى هَذَا الْخَمْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَطَلَّقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَمَسَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ يَقَعُ لِلْمَرْأَةِ فَيَلْزَمُهَا بَدَلُهُ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ لَوْ سَأَلَتْ الْخُلْعَ بِمَالٍ فِي الْحَيْضِ فَلَا يَحْرُمُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

أَخَذَ السُّبْكِيُّ مِنْ صِحَّةِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَ بَذْلِ مَالٍ لِمَنْ بِيَدِهِ وَظِيفَةٌ يَسْتَنْزِلُهُ عَنْهَا لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ الْعِوَضِ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهَا، وَيَبْقَى الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَاظِرِ الْوَظِيفَةِ يَفْعَلُ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرَّرْته؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَثُرَ مِنْهُمْ الْوُقُوعُ فِي ذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِوَكِيلِهَا أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهَا فَتَتَخَيَّرُ هِيَ، وَلَوْ اخْتَلَعَ رَجُلٌ وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا كَاذِبًا لَمْ تَطْلُقْ وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ فَيَخْتَلِعُ بِمَالِهِ، فَإِنْ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ بِاسْتِقْلَالٍ فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلِوَكِيلِهَا‏)‏ فِي الِاخْتِلَاعِ ‏(‏أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ‏)‏ أَيْ لِنَفْسِهِ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالنِّيَّةِ فَيَكُونَ خُلْعَ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ‏:‏ كَمَا لَوْ لَمْ تُوَكِّلْهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ أَوْ نَوَاهَا فَلَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ لَهُ وَإِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ وُقُوعَ الْخُلْعِ لَهُ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهَا ‏(‏وَلِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهَا‏)‏ فِي الِاخْتِلَاعِ عَنْهُ ‏(‏فَتَتَخَيَّرُ هِيَ‏)‏ بَيْنَ اخْتِلَاعِهَا لِنَفْسِهَا وَبَيْنَ اخْتِلَاعِهَا لَهُ بِأَنْ تُصَرِّحَ أَوْ تَنْوِيَ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَطْلَقَتْ وَقَعَ لَهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ عَنْ الْغَزَالِيِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

حَيْثُ صَرَّحَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ الزَّوْجَةُ بِالْوَكَالَةِ فَالْمُطَالَبُ بِالْعِوَضِ الْمُوَكَّلَ وَإِلَّا فَالْمُطَالِبُ الْمُبَاشِرُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ نَوَى الْخُلْعَ لَهُ، أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأُولَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ ‏(‏وَلَوْ اخْتَلَعَ رَجُلٌ‏)‏ أَجْنَبِيٌّ مَثَلًا ‏(‏وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ حَالَةَ كَوْنِهِ ‏(‏كَاذِبًا‏)‏ فِيهَا ‏(‏لَمْ تَطْلُقْ‏)‏ لِارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِلُزُومِ الْمَالِ عَلَيْهَا وَهِيَ لَمْ تَلْتَزِمْهُ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَعْتَرِفْ الزَّوْجُ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا أَوْ ادَّعَاهَا بَانَتْ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ ‏(‏وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ‏)‏ فِيمَا ذُكِرَ ‏(‏فَيَخْتَلِعُ‏)‏ لَهَا ‏(‏بِمَالِهِ‏)‏ أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً ‏(‏فَإِنْ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ‏)‏ كَاذِبًا ‏(‏أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ تَطْلُقْ‏)‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ وَلَا وَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، إذْ الْوِلَايَةُ لَا تُثْبِتُ لَهُ التَّبَرُّعَ فِي مَالِهَا‏.‏ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مَالَهَا الْعَامَّ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَخْتَلِعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ قَبْلَ الْخُلْعِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الْخُلْعَ بِمَالِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ صَرَّحَ ‏(‏ بِاسْتِقْلَالٍ‏)‏ كَاخْتَلَعْت لِنَفْسِي أَوْ عَنْ نَفْسِي ‏(‏فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ‏)‏ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَاصِبٌ لِمَالِهَا بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأَظْهَرِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَأَنْ قَالَ‏:‏ طَلِّقْهَا عَلَى عَبْدِهَا، أَوْ عَلَى هَذَا الْمَغْصُوبِ، أَوْ الْخَمْرِ مُقْتَصَرًا عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي مَالِهَا بِمَا ذُكِرَ كَمَا فِي السَّفِيهِ، فَلَوْ أَشَارَ الْأَبُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ إلَى عَبْدِهَا وَقَالَ‏:‏ طَلِّقْهَا بِهَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مِنْ مَالِهَا وَلَا أَنَّهُ مَغْصُوبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ عَبْدُهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ الصَّدَاقِ‏.‏ أَمَّا لَوْ اخْتَلَعَ الْأَبُ بِصَدَاقِهَا كَأَنْ قَالَ‏:‏ طَلِّقْهَا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا فَفَعَلَ وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ صَدَاقِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْإِبْرَاءُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، فَلَوْ الْتَزَمَ مَعَ ذَلِكَ دَرْكَ بَرَاءَةِ الزَّوْجِ كَأَنْ قَالَ‏:‏ وَضَمِنْت بَرَاءَتَك مِنْ الصَّدَاقِ، أَوْ قَالَ‏:‏ هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ طَلِّقْهَا عَلَى عَبْدِهَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ بَانَتْ وَلَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ كَخُلْعِهَا بِمَغْصُوبٍ، فَإِنْ كَانَ جَوَابُ الزَّوْجِ بَعْدَ ضَمَانِ الدَّرْكِ إنْ بَرِئَتْ مِنْ صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا لَمْ تُوجَدْ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهَا، وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ صَدَاقٌ لَمْ يَسْقُطْ بِالْخُلْعِ، وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ إذَا اتَّفَقَا جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً‏.‏